اولاد العم


في قديم الزمان ،وفي قرية نائية منازلها من طين وخشب ،  عاش طفلان اسمهما زيد و كمال کان لابو زيد مزرعة صغيرة ، و لابو كمال كذلك وهي ارث من الجد ، وقد حرص ابوا الاثنین على تعليمهما رغم انهما يسكنان في بعيدا عن المدرسة في المدينة  ، فغالب السكان في المدينة فقراء ولا يمتلكون اراضي زراعية وان امتلكوها فهم لا يمتلكون امكانيه لزراعتها وغالبا ما يعملون باجر لا يتعدى اكل بطونهم ، وبالتقتير والاقتصاد والاجتهاد توفرت الامكانية لان يتخرج زيد وكمال من كلية الزراعة ، کان كمال مشغولا بالقضايا الفكرية والادب ولم يكن ناجحا في القضايا العلمية ، وبعد عودتهما الى القرية و بدﺀ بالعمل تميز زيد بقدرته وذكائه واستفاد من دراسته في تطوير مزرعة ابيه عن طريق استثمار ارباح المحصول كل عام .
بعد سنتين استطاع شراء المزرعة المجاورة له ، وباستثمار الارباح مره اخرى استطاع ان يشتري ارض ثالثة مكنته ارباح جني انتاجها من تكوين رأس مال لبناء مصنع صغير لصناعة المعلبات الغذائية ، إستثماراته بدأت تنمو فتمكن زيد من تطوير عمله و البدأ باستيراد البذور و الاسمدة لمزيد من الزراعة وتوسيع المعمل الذي وفر فرص عمل هائلة لأهالي القرية الفقراء والقرية النائية بدأت بالنمو رويدا رويدا ، وبدأ المزارعين بشراء البذور من زيد الذي افتتح معملا اخر لصناعة الاسمدة وانتاج البذور .
اما كمال فكان مثقفا متعلما واعتكف على الكتابة مستفيدا من خيرات مزرعة ابيه زاد ريع انتاجها مع تطور مستوى القرية وبعد ان فشل في الانخراط في المعمل او ادارة المزرعة بشكل جيد ، و رغم محاولات زيد ، فقد قرر مغادرة البلاد الى بلد اخر .

بسبب المصنع قد تم ايصال الكهرباء الى القرية ومد خطوط كهربائية للعاملين فيه ، بالإضافة الى تبليط شارع المصنع حيث بدأ العديد من اطفال القرية بالذهاب الى المدينة للدراسة والتعلم ، تطور شكل القرية وبدأ العمران فيها بالتوسع ، فوجود المصنع و تطور الزراعة في القرية قد وفرا فرص عمل هائلة ادت الی تغير حال الفلاحين من العمل للأكل فقط الى العمل وبيع محاصيلهم بارباح اكبر تزداد كل مره بسبب تصدير انتاجهم خلال المعمل الذي يعلب محاصيلهم وينقلها الى المدينة التي بدأت باستهلاك منتوجات القرية بشكل كبير ، وكلما زاد العمل زاد الانتاج وزادت الارباح، وزاد سعر شراء المحاصيل من الفلاحين الذين ومن خلال زیاده اسعار بیع محاصیلهن زاد جني المال مما مكنهم بناء منازل جيدة وشراء حيوانات وسيارات نقل ، وادوات زراعية و بذور جديدة و سماد جيد ، صار الجميع مشغولا بالعمل والتنافس لاجل نيل ارباح اعلى واكبر ، وتمكن الجميع من ارسال ابنائهم الى الجامعات التي اعادتهم الى القرية للعمل كمهندسين في المعمل الذي فتح له فرع ثاني وثالث في القرى المجاورة . صار زيد شخصية هامة في البلد فهو يمتلك كل مصانع المعلبات في البلاد بسبب تخطيطه الذكي ونجاحة في استغلال رأسماله وتطويره بطرق بارعة وعلمية ، يساعده في ذلك فريق كبير من ابناء القرى من المهندسين وذوي الاختصاصات والعمال الذين يعملون ليل نهار ويتنافسون لأجل انتاج المزيد والافضل لأنه يعود اليهم بمردود مادي ودخل اكبر ، صارت المزارع اكثر تطورا مع مرور الزمن ، وزاد استخدام التقنيات بشكل كبير ، وظهرت البيوت الزجاجية ، والاسمدة الحديثة ، وظهرت الالات الزراعية المتطورة ، والاجهزة الالكترونية التي سهلت حياة الناس ، و رغم ارتفاع جودة الانتاج الا انت الاسعار بقيت بنفس قيمتها الاولى في ايام ندرة الانتاج وقلته !. تطور مشروع زيد ليكون شركات عديدة لمالكين اخرين مثل زيد ، وانتشرت من شمال الى جنوب البلاد التي تقدمت وتطورت بشكل لافت .

فجأة وبعد كل هذه السنوات رجع كمال الى البلد ، بعد ان قضي فتره من حياته في

العمل ككاتب في صحيفه ، انشأ جريدة جديدة لنشر الفكر جديد لم تعرفة المدينة سابقا و بدأ بالكتابة واصفا ابن عمه وصديق طفولته زيد بالجشع الذي استولى على ثروات البلد واستعبد الناس بشركاته ، واستغل ثرواته الوطن شر استغلال لاجل مصالحة الشخصية .

وبدأ بتحريض سكان القرية على الاستيلاء على المعامل والمزارع الكبيرة وسلب ملكية زيد وتدمير كل الشركات و جعلها بيد مجلس حكم المدينة ، اخبر كمال الناس بانهم هم من صنعوا ثروة زيد ، ويجب ان تكون لهم حصص متساوية في املاكه ، استمر كمال بالتنظير والدعوة الى الثورة وفرض سلطة الحكم على الشركات ، اول من اقتنع بافكار زيد هم المطرودين من الشركات بسبب فسادهم ثم جاء بعدهم الذين فشلوا في المنافسة في العمل ، وهكذا اقنع الكثير من الناس و نجح كمال بتصوير زيد كمتآمر على البلد ، جعل منه وحشا يستغل الناس ويعرضهم لساعات طويلة من العمل في شركات لا يملكون فيها شيء ، تشكلت عصابات تحمل السلاح وتقتل مدراء المعامل والموظفين الذي فيه ،ومن ثم اشتعلت ثورة دموية احرقت فيها العديد من الابنية والاملاك ، وفي النهاية اضطر زيد وغيره من اصحاب المشاريع ترك البلد نهائيا وسحب ما امكن من اموالهم والغاء استثماراتهم ، بالمقابل استولى مناضلي الاشتراكية والمساواة على كل شيء في البلد ، واعلنوا انه ملكية تعود الى الحكومة التي صار كمال الزعيم المفكر كبيرا فيها .
انتشرت صور كمال في كل مكان ، وانتشر المناضلون في المدينة وهم يرفعون اعلام الاشتراكية ، وشنوا حمله لتأميم كل الملكيات الخاصة فسلب الجميع كل املاكهم تقريبا وصار كل شيء هو ملك لمجلس المدينة والحزب الحاكم ، تشكلت لجان في كل معمل لادارته ، ونصبوا مسؤول في كل مزرعة ينقل ارباح المعمل الى مجلس المدينة ، انخفض حماس المنافسة بين العمال والمهندسين ، فلا ارباح اكثر ولا مخصصات جديدة للعمال المتميزين ، ولا فرق بين اي شخص فالجميع متساوون بالإنتاج ومتساوون بالاستهلاك ولا يجوز لاحدهم التميز بشيء . صار مجلس المدينة مسؤول عن صناعة المعلبات ، ومسؤول عن تبليط الشوارع ، ومسؤول عن الصحة وكل المجالات الاخرى التي بقيت بدون اي تطوير منذ ايام زيد ، وصار كمال هو الزعيم القائد الذي انقذ شعب المدينة من جشع شركات زيد حيث وضعت صوره في كل مكان في الشوارع دوائر الدولة والمدارس وبثت خطاباته في كل بيت في المدينة واجبر الجميع على حفظ نشيد مديح النظام الجديد وزعيمه البطل الذي شكل جيشا كبيرا من سكان القرى للدفاع عن المدينة من المدن التي يسيطر عليها الجشعون من اصحاب الشركات .

صار التميز الوحيد بين المهندسين والعمال والناس هو بالولاء الى حزب العمال الاشتراكي ، حيث يحصل الاكثر ولاءا على منصب اكثر اهميه من الباقين ، منزل افضل ، وغذاء افضل ، ويتحكم بالأخرين من خلال منصبة باسم الحزب ، وبسبب انعدام التميز بين العمال قام بعضهم بسرقة جزء من الانتاج بشكل يومي ، والمسؤول عن العمال ايضا بدأ بسرقة جزء من الانتاج ، وهكذا صعودا الى المجلس الذي يتحكم بكل شيء و ساد الفساد في كل مكان ، ضربت البلاد مجاعة فاكتشف الناس انهم لا يمتلكون مخزون وكل ما تمتلكه البلاد هو بيد مجلس المدينة الحاكم الذي بدأ بتوزيع الغذاء عليهم ، لكن كانت قيادات الحزب هي التي تأخذ اكثر من الباقين .. بدأ الحزب بسجن المعارضين واتهامهم بالخيانة واعدام كل من يتجرأ على مخالفة النظام وطرح فكر جديد مختلف عن ما يطرحه الزعيم الكبير كمال ، وبدأ الجميع يكتب التقارير الامنية عن الاخرين في البلد ،اما المفكر الزعيم القائد الكبير کمال فاسكنه الحزب في قصر المدينة الكبير و يستعرض كل عام على ظهر سيارته الفارهة ويسير خلفها جيش المدينة الكبير فقواته الكبيرة هي الرادع لكل من يتجرأ على تهديد النظام الاشتراكي . وفي احدى الايام خطر في ذهن الزعيم المفكر ان يقيم مشروعا كبيرا لبناء بحيره بجانب مدينة جديدة يسميها باسمه ، ولبناء المشروع فقد قرر مجلس حكم المدينة تسخير القوى العاملة للشعب في بناءها ، وصرفت فيها الطاقات البشرية والثروات ، كانت مدينة كبيرة تلونت كل البنايات بلون واحد وصممت بطريقة واحده ووزع على الجميع الاشياء ذاتها ، حتى تكون مساواة تامة بين الجميع في الفقر ، اما اعضاء الحزب و مجلس الحكم بزعامة كمال فبقي يعيش في خير وعز، توفي الزعيم عن عمر يناهز 70 سنة وبضروف غامضة قتل العديد من ابنائه ونال واحد منهم السلطة وصار الزعيم القائد الجديد ، شن الزعيم المفكر الراحل خلال فتره حكمة ثلاثه حروب قتل فيها الملايين من ابناء البلد وصنعت عداوات و قرر ايضا عزل بلده عن العالم بشكل تام ومنع السفر والدخول الى البلد ومنع استيراد اي شيء من الدول التي لاتؤمن بالاشتراكية بقي الحزب يحكم بنفس الطريقة ويتمتع اصحابه بثروات البلد الذي لم يتغير شيء من حاله او حال شعبه طول هذه الفتره ، رجعت القرى الى الطرق القديمة في الزراعة وعاد الناس يعملون لاجل ملأ بطونهم !.

تعليقات

  1. قصة واقعية .. استخدمت فيها مهارتك اللغوية والسردية بمستوى رائع ... فكرتها بالنسبة لي جديدة وامتعتني قرائتها ...
    لكنها احتاجت الى عنصر التشويق للتكلمة ... وكذلك تفاصيلها الصغيرة جدا ... كثيرة ... تحية للكاتب

    ردحذف
  2. قصة لابد وان تُقرأ ولا استطيع الا وان اسقطها على الواقع، اول ما تبادر لذهني عند القراءة هو قوة الميديا وقدرتها على الغاء العقول، بالإضافة الى ان البيئة الغير واعية هي الخاسر الأول وهي خير مساعد على نشر وحمل اي افكار جديدة.

    من وجهة نظري زياد وقع في اخطاء لا تغتفر كونه متعلم وذا سلطة وهو بذلك جعل من نفسه ضحية.

    ردحذف
  3. مثال حي عن واقع مؤسف ، أحسنت

    ردحذف

إرسال تعليق

التعليق ضروري لاهمية مشاركة الاخرين وجهة نظر وافكار وان كانت لا تتفق معنا , الصمت ليس علامة الموافقة دائما فلا تحرمنا من فرصة الاستفادة منك للاضافة تنقيح افكارنا من الخطأ الذي قد نقع به ويقع به الاخرين حينما يطلعون على افكارنا , فلا تكن بخيلاً بتعليق لن ياخذ منك سوى دقيقة سواء اتفقت ام اختلفت معنا .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اصل الارهاب في علم الاحياء

رمضان

كَمَـان وشمعـدان